غرام ـ رواية كاملة بقلم ولاء رفعت
و لومه الشديد لها كما تري في عينيه الآن نظرة ساخرة فبادلته بعدم مبالاة وصعدت إلي الأعلى
و في الشارع الخلفي لمنزل عائلة غرام صوت المذياع مرتفعا فالشيخ يتلو آيات من سورة البقرة تحمل صغيرها وتضعه علي الأريكة
تزوجت أحلام منذ ثلاث سنوات بمن أحبته ويدعي سمير و هذا منذ خمس سنوات مضت كانت تبلغ عشرون عاما حينها كانت تعمل بائعة في الصيدلية والآن هي زوجته و أم ابنه محمد ذو العامين وينادونه باسم ميدو
أقعد هنا و ألعب لحد ما أشيل الأكل وهاجيبلك الزبادي اللي بتحبه
ردد الصغير بسعادة
بادي بادي
قامت بتقبيل وجنته
هاكل خدودك المقلبظين يا روحي
وطي الراديو ده بدل ما أسقف لك علي خدودك أنتي علي الصبح
كانت صوتا رجوليا كالنشاز قاطع وصلة المرح بينها و بين صغيرها ألتفت إليه وقالت بامتعاض
جري إيه يا سمير من ساعة ما صحيت مش طايق نفسك وبعدين أنا معليه الراديو عشان القرآن خليه يملا الشقة بركة ويطرد الشياطين منها
قصدك عليا أنا شيطان
ابتلعت لعابها وأخبرته پخوف وتردد
و الله ما قولت كدة أنا قصدي يطرد الشياطين اللي بتوقع ما بينا وبتخليك تتخانق معايا وتمد إيدك
عليا زي ما أنت عامل فيا كدة
نفض ذراعها وقال
أيوة زي أمك وأختك غرام كدة بالظبط كل ما
تروحي ليهم يقوموكي عليا كأني أكلت ورثهم و أنا مش عارف
جلس علي الكرسي أمامها ووضع ساق فوق الأخرى يخرج علبة السچائر من جيب قميصه القطني و القداحة يشعلها وينفث دخانا كثيفا يخبرها بتعجرف
و الله ما ضربتكيش علي إيديكي عشان تتجوزيني و أنتي عارفة طباعي كويس
ياليت كلمة ظاهرها ندم و باطنها حسرة وچرح لن يندمل
اجتازت غرام مسافة كبيرة سيرا علي الأقدام حتي وصلت أمام متجر لبيع الملابس و مستلزمات المرأة وقفت قليلا تلتقط أنفاسها قبل أن تولج إلي الداخل تعلم ما ينتظرها كل يوم في الصباح و المساء
ألقت التحية فأجابت السيدة رشا بتحية مماثلة ثم أردفت
جيتي في وقتك يا غرام المرة دي جايبة تشكيلة عبايات و فساتين هاي كوبي من براند مشهور العباية عندهم ممكن تعدي الألف جنيه لكن إحنا هنبيعها ب 300 وبس و تبقي شاطرة لو خليتي العرض اللي تاخد عبايتين يبقي ب 500 وعليهم طرحة وبندانة هدية
ترددت غرام أن تخبرها بما يدور في رأسها فهي تعلم خصال هذه المرأة الأربعينية تبدو أمام الناس مرحة
ما تقلقيش هاعمل زي ما حضرتك قولتيلي
ابتسمت الأخرى فأشارت إليها
طيب أقعدي إستريحي علي الكرسي ده عقبال ما أطلع أجيبلك الحاجة ونازلة
وقبل أن تتفوه غرام بكلمة رأت الفرح يتراقص في عينين رجب شقيق رشا هذا الشاب الثلاثيني الذي لا يعرف معني للمروءة والشهامة يعيش بغرائزه الحيوانية كما يحلو له يركض خلف كل ما هو صعب المنال و يزداد تشبثا إذا كان هذا المنال يتجسد في غرام الفتاة الشرسة أمام كل ضبع يظن إنها فتاة ضعيفة فبرغم إنها لا تمتلك جمالا ساحرا أو عيون ملونة بل ملامحها مثل أغلب الفتيات المصرية البشرة القمحية والعيون ذات اللون البني ترتدي وشاحا يغطي خصلات شعرها ما بين الأسود والبني غالبا تعقصه علي هيئة كعكة محكمة بربطة شعر مطاطية جسدها ما بين الرفيع و الممتلئ و مع كل ذلك فهي أنثى بالنهاية و لو امتلكت جمالا وسطا فمازال يطمع فيها أمثال رجب فالمحرك لدي هؤلاء الضباع ما هي إلا الشهوة!
عندما ذهبت شقيقته ترك عصا النرجيلة من يده علي المنضدة ونهض فاقترب من غرام سمع صوت زفيرها الذي يخبره عن عدم تحملها لوجوده جوارها
مفيش صباح الخير يا رجب أو عامل إيه يا ريجو أي كلمة حلوة تطري علي القلب منك للغلبان اللي هو أنا يعني
ألتفت إليه و علي وجهها كل إمارات الڠضب
غلبان! قصدك تقول أنت تعبان و ياريت تبعد عن وشي عشان لما بشوفك اليوم بيقفل
اجفلها بصوته المزعج
جري إيه يا بت أنتي نسيتي نفسك و لا إيه! أومال لو كنتي حلوة ده كلك علي بعضك ما تسويش في سوق البنات قرش واحد
فعلا ما أساويش قرش لأن اللي زيي ما بيتقدروش بالفلوس إحنا غاليين أوي لكن أنت بقي في نفس السوق ده ما تساويش ربع جنيه
ظل يعيد كلماتها في رأسه حتي أدرك الإهانة التي وجهتها إليه أو ربما قصف جبهة جعل دمائه تكاد تفور من الغيظ صاح مرة أخري پغضب جم
نهار أبوكي أسو
إياك تجيب سيرة أبويا الله يرحمه علي لسانك
إيه اللي بيحصل يا رجب
كان سؤال رشا التي تنزل علي الدرج وتحمل كيسا أسود كبير سبقته غرام قبل أن يخبر شقيقته بالافتراء
مفيش يا مدام المعلم رجب كان بيوصيني علي البضاعة
عاد إلي الكرسي و النرجيلة خاصته بينما كانت رشا اللاصق بالسکين
سيبك من أخويا و ركزي في الحاجة اللي هديهالك
أخرجت عدة قطع من الثياب كل قطعة مغلفة بغطاء بلاستيكي شفاف
10 قطع أهم و لو خلصوا و محتاجة تاني كلميني و أبعتلك رجب بالحاجة
قامت غرام بفتح حقيبة الظهر وأخذت
تضع القطع
حاضر يا مدام
وبعد أن أخذت البضاعة غادرت المتجر متجهة إلي محطة المترو حيث مكان البيع المناسب لها فهي
تعمل بائعة متجولة داخل القطارات في عربة السيدات وأحيانا خارج المحطة برغم ما تتعرض له من مضايقات من المارة وأيضا من رجال الأمن داخل المحطة
و في الطريق أوقفها صوت صديقتها هند تخرج رأسها من المركبة ذات الثلاث إطارات
غرام يا غرام
ذهبت الأخرى إليها فتركت لها صديقتها براحا لتجلس بجوارها
أطلعي أركبي جمال يوصلك عند المحطة وأنا هاكمل معاه لحد المصنع
يا بنتي كملوا أنتم طريقكم عشان ما تتأخريش علي شغلك
أخبرها جمال و كان هو من يقود المركبة
أركبي يا غرام كدة كدة المترو في طريقي
صعدت إلي داخل المركبة وجلست ووضعت حقيبة الظهر علي فخذيها
إيه أخبار الشغل معاكي
سألتها هند فأجابت الأخري
الحمدلله أهي ماشية
ما تقلقيش أنا سمعت الحاج عبدالتواب صاحب المصنع بيقول إن فيه أتنين هيسيبوا الشغل آخر الشهر و كلمتوا عليكي و علي أحلام أختك
أحلام أختي!
رفعت زاوية فمها جانبا ساخرة وتابعت
أحلام شغلنتها الوحيدة جوزها
هو جه خدها و لا لسه ڠضبانة
هما يومين اللي قعدتهم و التالت خلتنا نايمين وخدت ابنها ومشيت هاموت وأعرف هو عاملها إيه مخليها ماشية وراه تقول آمين يضربها تغضب وبدل ما تاخد معاه موقف ترجعله ده لو كان ساحرلها مش هتعمل في نفسها كدة
ضحكت هند علي حديث صديقتها وعقبت
ده مش سحر ده الحب ياختي بس أختك هي اللي بتحبه لكن هو علي عمايله معاها ما بيحبهاش
و الله يا هند أنا و أمي وابتسام حتي الولاه سعيد أبو 13 سنة